الأخبار والنصائح الطّبّيّة، كيف تميّز الصحيح من الخطأ. لمحة سريعة حول كتاب Hype
نُشر يوم 28 ديسمبر 2019 بواسطة يوغرطة بن علي (Youghourta Benali)
القهوة مفيدة للصّحّة أم أن القهوة من الأمور التي يجب أن تتجنّبها. هل يجب عليك أن تكثر من أكل الشوكولاطة. أم أنه لا فائدة منها إطلاقًا. ما كمّية الماء التي يجب أن تشربها يوميا؟ وهل هناك أضرار من الإكثار من الماء؟ هل فعلا هذا الطعام أو ذاك مُسبب للسرطان؟ أو ربما إنه يقي منه؟ إن كنت تحس بالصداع من كثرة هذه التناقضات وبسبب كثرة الأخبار والنصائح المتضاربة، فإن الكاتبة تُحاول أن تجيب على هذه الأسئلة وأكثر من خلال هذا الكتاب، وتحاول مُساعدتك في معرفة الصحيح من المكذوب مما هو مجرد حملات تسويقية. أو ربما يجب عليك تناول بعض الإسبيرين لتخفيف ذلك الصداع، فحسب بعض الدراسات هي مفيدة لك، في حين تشير دراسات أخرى إلى أنه قد يسبب لك نزيفا داخليًا. الأمر سهل كما ترى :)
قبل أن أدلي بدولي وأعطيك رأيي حول كتاب Hype: A Doctor’s Guide to Medical Myths, Exaggerated Claims and Bad Advice - How to Tell What’s Real and What’s Not، إليك أهم ما ورد فيه:
-
أغلب المكمّلات الغذائية لا فائدة منها. إن كنت تحصل على تغذية متوازنة فإنك ستحصل على ما ستحتاجه من فيتامينات من خلال أكلك. أغلب المكملات الغذائية لا تخضع للفحص والتمحيص الذي تمر به الأدوية، يعني قد لا يكون المكمل الغذائي التي تتناوله مضرًا لك (يتم التحقق من سلامته) لكنه ربما لن يفيدك، واحتمال أنه يحتوي كمية الفيتامين أو المعادن المذكورة على العلبة بشكل كامل غير مُحتملة. مع ذلك تشير الكاتبة إلى أنها هي نفسها تستهلك تلك المكملات الغذائية، وترجع سبب ذلك إلى تأثير البلاسيبو. بعبارة أخرى إن كنت تعتقد بأن تناول هذا المُكمّل أو ذلك سيفيدك، فمن الوارد جدًا أنك ستلحظ تلك النتيجة.
-
كثرة التحاليل والاختبارات الطبّيّة قد يساهم في اكتشاف أمراض كثيرة قبل فوات الأوان أو حتى قبل أن تظهر أعراضها بشكل واضح. لكن الكثير من هذه الاختبارات لديها أضرار أكثر من الفوائد. فعلى سبيل المثال من يموت “مع” سرطان البروستات (يعني يموت إما لمرض آخر أو يموت موتا طبيعيا لكنه يكون مصابًا بهذا السرطان) أكبر بكثير ممن يموت بسببه، لكن لو اكتشف السرطان في الكثير من الحالات فإن إجراء خزعة biopsy والمخاطر والتعقيدات التي تصحب ذلك قد تكون أضر من عدم اكتشاف السرطان من أساسه. نفس الأمر يحدث مع عمليات التصوير الشعاعي للثدي mamography والذي يعرف معدلات إيجابية كاذبة false positive مُعتبرة (يُعتقد بأن هناك ورما سرطانيا في حين أنه لا وجود ذلك) وقد يكون التعرض المُتكرر للأشعة أكثر ضررا من عدم إجراء التصوير الشعاعي وعدم اكتشاف تلك الأورام.
-
علاج السرطانات بالمواد الطبيعية فقط Homeopathy قد يكون نوعًا من الانتحار. تفيد هذه العلاجات إلى جانب العلاجات الطبّيّة “الكلاسيكية” ولوحظت نتائج أفضل لدى من يستخدم العلاج الطبيعي إلى جانب العلاج “الطبي” لكن لا يجب الاعتماد عليه لوحده.
-
الكثير مما تقرأه على مغلّفات المنتجات مثل “خالٍ من السكر” أو “بدون سكر مضاف” أو “خال من الدهون” أو حتى “طبيعي” أو “بدون مواد حافظة” أو غيرها قد لا تعني بالضرورة ما تفهمه منه. استخدام هذه الأوصاف غير مُقنّن وقد يستعمله مُنتج ما ليعني شيئا ما في حين أن الحقيقة أمر آخر كلّيّة. الأدهى والأمر هو استخدام تلك الأوصاف بشكل يهزأ بذكاء المُستهلك. فمثلا قد تجد وصف “خال من الدهون” على علبة قهوة أو من “من دون جلوتين” على حبة حلوى.
-
لا تحمي جميع مضادات الأكسدة من الشوارد/السرطانات بل هناك من يسببها. نفس الأمر مع بعض الفيتامينات.
-
المشي قد يكون أفيد لك من ممارسة الرياضة، لا تمارس الرياضة بشكل كثيف فقد يعود ذلك بالضّرر عليك.
نأتي الآن لرأيي في الكتاب. الكتاب في رأيي يعبر بشكل واضح عن غرور وعجرفة ما يُسمى بالعلم الحديث بشكل عام وبالطب الحديث بشكل خاص. الكاتبة طبيبة، لكنها طبيبة أطفال، يعني تكتب في مجال ربما يكون قريبًا من مجالها (طب الأطفال) لكن تجاوزت ذلك إلى مجالات أخرى كالتغذية والرياضة.
لكن ما أثار حفيظتي كثيرًا هو أن ما يُمكن استخلاصه من الكتاب أن الطب الحديث لا يزال قاصرًا ولا تزال أسئلة كثيرة من دون إجابات، بل وهناك من الأمور ما كان منصوحًا به منذ سنوات والآن يحذر الطب الحديث منه. مع ذلك تم الإنقاص من قدر الطب البديل بشكل كبير، وتُرجع الكاتبة أية نتيجة إيجابية حصلت من الطب البديل مثلًا إلى تأثير البلاسيبو والذي يبدو بأنه “تهمة” تلصقها بكل ما لم تجد له تفسيرًا علميًا، كما أنها تصف تلك الحالات بالشاذة (يعني مجرد قصص لا يُمكن أن نبني عليها) لكن مع ذلك لا تتحرّج من ضرب أمثلة (يعني تقصّ قصصا هي أيضًا) لتعزز آراءها لما لا يكون لديها من البيانات والأدلة العلمية ما تدعم بها رأيها. بعبارة أخرى وكأن الطب الحديث على لسان الكاتبة يقول “أنا لا أدري ما الذي أتحدث عنه ولا أفهم المجال الذي نتناقش فيه بشكل جيد لكنني متيقّن بأن ما تقوله خاطئ لأنه لا يتوافق مع منهجي”.
ما عزّز رأيي هذا هو ما ورد في آخر الكتاب حول زيت جوز الهند، حيث أن جمعية القلب الأمريكية كانت تنصح به منذ سنوات على أنه بديل صحّي ومفيد للصّحّة مُقارنة بباقي الزيوت النباتية، لكن مؤخّرًا غيّرت رأيها 180 درجة وأصبحت لا تنصح به إطلاقًا. يعني كقارئ يهتم لأمر صحّته ويرغب في معرفة الصحيح من الصواب، هل يجب أن أصدّق مثل هذه المؤسسات المرموقة؟ أم يجب أن أنتظر سنوات علّها تغيّر رأيها؟
ربما تكون الخلاصة الوحيدة المفيدة والعملية التي خرجت بها من الكتاب هو أنه يجب الاعتدال والوسطية في كل شيء، لا إفراط ولا تفريط، لا تفرط في أكل هذا الغذاء أو ذلك لا وتُفرّط في ممارسة الرياضة أو شرب الماء (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا). كما أن الكثير من الدراسات العلمية هدفها تجاري بحت والعديد مما ينشر على أنه أبحاث علمية ليست كذلك ولا تملك كامل مقومات الدراسة العلمية الصحيحة (خاصة حجم الدراسة وعدد المشاركين فيها).
هل أنصح بقراءة الكتاب؟ صراحة لا أدري، قد تستفيد من بعض المعلومات الواردة فيه لكن قد يزيد من مقدار التشتت الذي لديك والحيرة مع كامل المعلومات المتضاربة التي تقرأها بشكل دوري.