لماذا أستعيد كامل الوزن الذي فقدته (وزيادة) بعد اتباعي للحمية الغذائية؟ وهل يجب أن أمارس الرياضة لأتخلّص من الوزن الزائد؟ لمحة سريعة حول كتاب The Obesity Code

نُشر يوم 20 جويلية 2019 بواسطة يوغرطة بن علي (Youghourta Benali)


أعتقد بأن كتاب The Obesity Code هو أفضل كتاب قرأته حول الغذاء/الحميات الغذائية/التحكم في الوزن، ليس فقط لأن كاتبه طبيب يعي ما يتحدّث عنه بشكل جيّد، وإنما لأنه يعتمد بشكل أساسي على دراسات علمية أجريت على البشر وليس على الفئران أو أي فصيلة حيوانات أخرى، كما أنه لا ينصح بحمية غذائية بعينها بقدر ما يقدم “إطار عمل” لمُختلف الحميات الغذائية الصحّيّة التي يُمكن الاستعانة بها للتخلص من الوزن الزائد والحفاظ على وزن مثالي.

الفكرة الأساسية في الكتاب تتمثل في أن السبب الرئيسي للسمنة هو خلل هرموني ويتعلّق بشكل أساسي بارتفاع نسبة الأنسولين في الدم (ما يؤدي إلى “مقاومة الأنسولين” insulin resistance والذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأنسولين في الدم) إضافة إلى دور ثانوي يلعبه ارتفاع في نسبة الكورتيزول Cortisol (من بين ما يرفعه هو الضغط/القلق المتواصل)، كما أن الجينات تلعب أيضًا دورًا مهمًا في “توريث” السمنة.

يحاول الكتاب أيضًا تسليط الضوء على الخطأ الشائع المُتعلّق بفقدان الوزن، حيث أنه عادة ما يُعتقد بأن زيادة الوزن تتعلق بشكل أساسي باستهلاك عدد أكبر من السعرات الحرارية calories إلى جانب بذل جهد بدني قليل مُقابل ذلك، حيث بيّن الكاتب بأن السعرات الحرارية ليست متماثلة (شتان ما بين السعرات الحرارية التي تحصل عليها من زيت الزيتون وتلك التي تحصل عليها من السكر الأبيض أو الكربوهيدرات المُكرّرة)، كما أن مُمارسة الرياضة وحتى النشاط الفيزيائي بشكل عام لا يلعب سوى دورًا ثانويًا في فقدان الوزن، حيث أن غالبية السعرات الحرارية المُستهلكة في اليوم “تُصرف” على الوظائف الحيوية للجسم، والطاقة المُستهلكة لدى ممارسة الرياضة لن تشكل سوى نسبة ضئيلة جدًا (حوالي 5 بالمئة) من مجمول الطاقة المُستهلك في اليوم. بعبارة أخرى مُمارسة الرياضة مهم ومُفيد للغاية، لكن لا يجب أن يكون هدفك الأساسي من ذلك هو فقدان الوزن.

لكن لماذا يتم التركيز على السعرات الحرارية إذن؟

قد يكون السبب الرئيسي هي شركات الغذاء العالمية، فبعد حملة شيطنة الدهون الحيوانية والدسم بشكل عام والترويج للسكريات والنشويات بدلًا عنها، احتاج هذا القطاع الصناعي إلى “عدو جديد” لتوجيه تركيزه حوله بعد أن بدأ الناس يستفيقون من غيبوبة “استهلك الكربوهيدرات والسكر فهي أفيد لك من الدهون” وهذا العدو الجديد هو “السعرات الحرارية” calories. رغم أن جميع الدراسات التي أجريت حول الأمر للربط ما بين عدد السعرات الحرارية المُستهلكة والزيادة في الوزن باءت بالفشل، إلّا أن الأطباء واختصاصيي التغذية لا يزالون يكرّرون نفس القاعدة التي تثبت خطأها كل مرّة والمُتعلّقة بـ “استهلك سعرات حرارية أقل وابذل جهدًا بدنيًا أكثر”، حيث أنه يتم تكرير نفس الفكرة الخاطئة لأنه بدل الإقرار بعدم معرفة “الحل السحري للتخلص من السمنة” فإنه يسهل لوم “البدين” لعدم فقدانه للوزن بسبب عدم احترامه للحمية الغذائية المُسطّرة له بالحرف الواحد، أو يرمى بتهمة قلّة الإرادة أو عدم قدرته على مقاومة جوعه ورغبته في الأكل.

لماذا أستعيد كامل الوزن الذي فقدته (وزيادة) بعد اتباعي للحمية الغذائية

ببساطة يُمكن القول بأن جسم الإنسان يملك نظامًا أشبه بجهاز منظّم الحرارة thermostat يسعى دائما للحفاظ على نفس الوزن، فإن انخفض وزنك بشكل سريع مثلًا (أو عبر حمية غذائية مُعيّنة) فإن الجسم سيُمانع وسيعمل جاهدًا لإرجاعك إلى نفس وزنك السابق. فإن خفّضت عدد السعرات الحرارية التي تستهلكها يوميًا فإن الجسم سيردّ بكل بساطة وبشكل سريع ودائم بتخفيض “التمثيل الغذائي” Metabolism (آلية استهلالك / حرق الطاقة) وذلك للحفاظ على مجموع الطاقة المتوفرة له في نفس المستويات السابقة. كما أنه سيفرض الهرمونات التي تُشعرك بالجوع بشكل أكبر ويهدف بذلك إلى دفعك للأكل من جديد لتعويض الطاقة الضائعة ولاسترجاع الوزن الزائد الذي تخلّصت منه.

بعبارة أخرى، أغلب الحميات الغذائية تفشل بعد عدّة أشهر لأنّك وبكل بساطة تحاول العمل ضد جسمك بدل العمل معه.

هل يعني هذا بأنني لن أستطيع التخّلص من الوزن الزائد؟ / ما الحل إذن؟

كما سبق ذكره فإن ارتفاع نسبة الأنسولين في الدم وحصولك على “مقاومة الأنسولين” (والتي بدورها تسبب ارتفاع الأنسولين في الدم… يعني حلقة مفرغة يتسبب كل طرف في تعزيز الطرف الآخر) هي السبب الرئيسي وراء تحديد “الوزن المُحدد” عبر منظّم الحرارة thermostat آنف الذكر ولتخفيضه بشكل تدريجي تحتاج أن تعوّد جسمك/دمّك على نسب منخفضة من الأنسولين لفترات طويلة. يمكن تحقيق ذلك عبر الصيام بشكل عام والصوم المتقطّع Intermittent Fasting بشكل خاص. لما تأكل فإن الجسم سيفرز الأنسولين للسماح للجلوكوز glucose بالدخول إلى الخلايا والحفاظ على نسبته في الدم في مُستويات مُعيّنة. إن كنت تأكل باستمرار طيلة اليوم حتى ولو كان الأمر مجرد وجبات صغيرة فإن الجسم سيقوم بضخ الأنسولين باستمرار وطيلة اليوم في الدم للحفاظ على تلك المستويات، وتواجد نسب مرتفعة من الأنسولين في الدم يؤدي إلى حدوث مقاومة للأنسولين (يعني ستحتاج إلى نسب أعلى منه للحصول على نفس النتيجة التي كنت تحصل عليها قبل ظهور هذه المقاومة).

ما الذي يحدث لو قلّصت عدد الساعات الذي يحصل فيه جسمك على الغذاء؟ ستعطي لجسمك متسعا من الوقت لينخفض منسوب الأنسولين في الدم، مما سيخلصك من مقاومة الأنسولين وتعديل “منظم الحرارة” الداخلي الخاص بك على وزن أدنى من السابق مما سيسمح لك بالتخلص من الوزن الزائد.

بعبارة أخرى، خفض نسبة الأنسولين في الدم ينخفض وزنك.

تجدر الإشارة إلى أن حلقة “ارتفاع نسبة الأنسولين في الدم تؤدي إلى مقاومة الأنسولين والتي بدورها تسبب ارتفاع نسبة الأنسولين في الدم” لديها صلة وثيقة بالوقت، فإن كنت تعاني من السمنة لسنوات/عقود فمن المرجح أن عملية التخلص من مقاومة الأنسولين وتخفيض “الوزن المرغوب فيه” أمر ممكن لكن سيأخذ وقتا أطول.

إحدى الطرق التي يُمكنك من خلالها إطالة فترة الصوم اليومي المُتقطّع التي تعتمد عليها لتخفيض نسبة الأنسولين في الدم هو التخلص كلّيّة من فطور الصباح. حسب الكتاب فإن فطور الصباح ليس أهم وجبة في اليوم كما يُشاع، وأن صيغته الأمريكية ليست صحّيّة بالمرّة، سواء كنت تعتمد على النشويات/السكّريات أو غيرها. يشير الكاتب إلى أنه في ثقافات أخرى كالثقافة الفرنسية، نجد بأن فطور الصباح عادة ما يكون خفيفًا، حيث يُسمّيه الفرنسيون petit-déjeuner (فطور صغير). ينصح الكاتب بالتخلص من فطور الصباح كلّية خاصّة إن كنت ممن يجبرون أنفسهم على الأكل صباحًا، يكفي أن تشرب كوبًا من القهوة فقط إن أردت، ولا ضير أن تكون أول وجبة حقيقية لك في اليوم هي وجبة الغداء. أما إن كنت تشعر بالجوع صباحًا فلا ضير من تناول هذه الوجبة. يشير الكاتب إلى أن هناك احتمالًا كبيرًا أنك تشعر بالجوع صباحًا لأنك ألفت الأكل بمجرد الاستيقاظ وليس لأنك بحاجة فعلية للأكل حينها، حيث أن الجسم بفضل الهرمونات التي تفرز صباحًا سيكون جاهزًا للنشاط دون الحاجة إلى محفّزات إضافية.

نقطة في غاية الأهمية: التركيز فقط على الحميات الغذائية (دون الأخذ بالحسبان قضية الأنسولين آنفة الذكر) قد لا تعطي النتائج المرغوب فيها سواء كانت تلك الحميات تركز على التخلص من الدهون أو على تقليل السعرات الحرارية calories أو حتى على تخفيض الكربوهيدرات.

ذكر الكاتب دراسة مُلفتة للانتباه، حيث أنه تم إعطاء حميات قليلة السعرات الحرارية لمجموعة من الأشخاص الأصحاء الذين أقيمت التجربة عليهم، لكن في المقابل تم حقنهم بالأنسولين. النتيجة: ارتفاع أوزانهم رغم استهلالكم لسعرات حرارية أقل. وهو تأكيد بشكل لا يدع أي مجال للشك أن “العدو الرئيسي” ليست السعريات الحرارية ولكن نسب الأنسولين في الدم.

حسنا، ما الذي يجب علي أن آكله إذن؟ ما الحمية التي تنصحني بها؟

لا ينصح الكاتب بأي حمية غذائية بعينها، حيث يرى بأنها كلها تعاني من نفس المشاكل الأساسية والمُتعلّقة بتخفيض الوزن على المدى القريب فقط، الوزن الذي ما تلبث أن تسترجعه وقد تحصل خلال عملية الاسترجاع تلك على وزن إضافي. لكن يضع خطوطًا عريضة إن اتبعتها فستحصل على أفضل النتائج المُمكنة بغض النظر عن تفاصيل الحمية في حد ذاتها:

1- خفّض من نسبة استهلاكك للسكر المُضاف لمختلف الأطعمة

2 – خفض نسبة استهلاكك للحبوب المُكررة refined grains (بعبارة أخرى كل الحبوب التي تخضع بشكل أو بآخر إلى تصنيع/تغيير/…) خاصة الدقيق الأبيض / الفرينة.

3- استهلك البروتينات لكن باعتدال

4- ارفع نسبة استهلالك للدهون الطبيعية، سواء الدهون الحيوانية والزبدة أو الدهون النباتية التي تستخرج بطرق مباشرة، كزيت الزيتون مثلًا (يجب أن تفرق بين هذه الزيوت والزيوت التي تستخرج بآليات صناعية معقّدة كزيت عباد الشمس مثلا).

5- ارفع نسبة استهلالك للألياف fibers والخل.

ينصح الكاتب أيضا باستهلاك الشكولاطة السوداء (من دون سكريات مضافة) والقهوة، إضافة إلى المكسرات

الكتاب في غاية الأهمّية وأنصح به الجميع دون استثناء (حتى ولو لم تكن تعاني من السمنة أو ترغب في التخلص من بعض الوزن الزائد).

للاستزادة حول موضوع تأثير شركات الغذاء العالمية على الحميات الغذائية (حتى تلك التي تنصح بها منظمات الصحة) وسبب ارتفاع نسب استهلاك السكريات والحبوب المكررة بشكل أساسي، أنصحك بالاطلاع على الكتاب التالي:

Salt Sugar Fat: How the Food Giants Hooked Us

ستجد مقالا كتبته حوله من هنا:

https://www.it-scoop.com/2018/04/salt-sugar-fat-how-the-food-giants-hooked-us/