هل يُمكن أن تصبح الجزائر العاصمة مدينة ذكيّة. تساؤلات وخواطر حول مشروع Algiers Smart City

نُشر يوم 23 أكتوبر 2018 بواسطة يوغرطة بن علي (Youghourta Benali)


هذا المقال عبارة عن إجابات (وخواطر) حول مجموعة أسئلة أرسلها لي الصديق حمدي بعالة، الصّحفي في موقع هافينجتون بوست الجزائر، في إطار مقال كان بصدد التحضير له.

- ما رأيك حول مشروع Algiers Smart City بشكل عام. هل تحتاج الجزائر العاصمة أن تنحو هذا النّحو. وهل التوجّهات التقنية في الجزائر جاهزة لمثل هذا المشروع.

لا يبدو لي المشروع جادًا. سأستعير مثالا استخدمته في مقال سبق وأن نشرته حول ريادة الأعمال لتوضيح الفكرة. تخيّل أن هناك بلدًا لا يتوفّر حتى على أدنى مقوّمات الحياة الأساسية من ماء صالح للشرب وقنوات للصرف الصحي، ثم يُعلَن في هذا البلد عن تحويل عاصمته إلى عاصمة الجراحات التجميلية، بل وربما سيعقدون لقاءً ضخمًا يُدعى إلى الخبراء من جميع أنحاء العالم لحضوره ولتقديم وجهات نظرهم حول الأمر. الوضع الحالي في الجزائر أقرب ما يكون من هذا المثال. لبناء مدينة ذكيّة فسنحتاج قبل ذلك إلى توفير الأمور القاعدية التي لا يُمكن بناء أية مدينة حديثة بها (دون الحاجة أن تكون ذكيّة بالضرورة) وأقصد هنا على سبيل المثال لا الحصر: توفير الدفع الإلكتروني على نطاق واسع، والارتقاء بخدمات الإنترنت (من حيث السّرعة، النّوعية والأسعار) وتوفير بنية قاعدية تسمح بظهور أكثر من مُتعامل اقتصادي خاص في مجال مراكز البيانات datacenters إضافة إلى توفير برامج وتخصّصات جامعية تسمح بتوفير اليد العاملة المؤهّلة في المجالات التقنية بشكل عام والعمل على الحد من النزيف الحاد الذي يشهده السوق للكفاءات القليلة المتوفرة والتي تفضل/تُضطرّ إلى الخروج إلى الخارج.

بعبارة أخرى، نحتاج أن نطور من مدننا لتصبح مدنا حديثة قبل أن يجوز لنا التفكير والتخطيط لجعلها ذكية.

- في رأيك هل تُعاني الشركات الناشئة في الجزائر مشاكل لا تكون مُتعلّقة بالتقنية بالضرورة، أي نفس المشاكل التي قد تواجه أية شركات تقليدية من بيروقراطية وعدم تكييف القوانين وفساد وما إلى ذلك.

جميع النشاطات الاقتصادية تواجه نفس هذه التحديات. لكن الوضع مع ما يُمكن أن نصفه بالشركات الناشئة في الجزائر أعقد من ذلك. بداية في رأيي، لا وجود لأية شركات ناشئة في الجزائر إن نحن اقتصرنا على التعريف المُتداول للشركات الناشئة، وأقصد هنا تعريف Paul Graham مؤسس حاضنة مشاريع YC والذي ينص على أن شركة ناشئة = نمو، فلم تعرف السوق الجزائرية أية شركات تقنية حققت نموًا سريعًا خلال فترة قصيرة (ربما يُمكن أن نستثني “يسير” من الأمر رغم أنني لست مطّلعا على معدّلات نموهم الدورية). لكن المشاريع التي توصف عادة بالشركات الناشئة تواجه التحدي المُتمثل في أنها تعيش في السحاب على صعيدين. فمن جهة فإن جميع مشاريع التقنية المبنية على الويب تعتمد على الخدمات السحابية الأجنبية (خاصة ما تعلّق منها بالاستضافة hosting والخواديم servers وأسماء النطاقات Domain Names وما إلى ذلك من الخدمات القاعدية) وهي الخدمات التي يصعب التعامل معها بشكل قانوني من الجزائر (التعقيدات المُتعلّقة بشراء أي منتج أو خدمة من الخارج) لكنها أيضا تعيش في السحاب من حيث أنها منقطعة على الواقع، فنجد أن أغلب المشاريع هي مُحاولات لتقليد مُنتجات أجنبية (أمريكية بشكل أساسي) والسعي لإسقاطها على الواقع الجزائري أي أن “العملية الإبداعية” التي ترافق الشركات الناشئة قُلِبت رأسا على عقب، فتجد صاحب المشروع يتعلق بفكرة ويحاول تنفيذها على الساحة الجزائرية، في حين أن المشاريع التقنية الجادة يجب عليها أن تأخذ المسار العكسي، أي الانطلاق من مشكل حقيقي في السوق وإيجاد حل له (وليس بناء الحل ثم البحث عن المشكل الذي يتوافق معه). إضافة إلى ذلك وفي ظل العوائق المُتعلّقة بالدفع الإلكتروني تجد أن أغلب هذه الشركات تتجه نحو خدمات B2C في حين أنه من الأفضل التوجه إلى قطاع خدمات الشركات B2B الذي لا يعاني من مشاكل عديدة تحتاج إلى حلول (حلول ليست جذّابة/sexy ولن تتحدث عنها المواقع الإخبارية) والتي لن تتضرّر من عدم توفر الخدمات القاعدية آنفة الذكر.

بعبارة أخرى، نُحاول تقليد البلدان المُتقدّمة، لكن للأسف نحاول تقليد ما تقوم به في المرحلة التي وصلت إليها الآن ولا نحاول تقليد ما تقوم بها لما كانت في مرحلة تُشبه المرحلة التي نحن فيها. يعني كما يقول المثل الجزائري “جيبلي راس كيما راس احميدة نحففلك تحفيفة احميدة”

- ما نظرتك لمشروع DarTech hub الذي افتتح خلال تظاهرة Algiers Smart City والذي استضاف هاكاثون ومسابقة شركات ناشئة. يشير القائمون على المشروع إلى أنّهم يملكون مُخطّطات كبيرة للمشروع من ضمنها جلب كبريات الشركات التقنية لإجراء تجارب. وهل يُعتبر هذا المشروع إضافة حقيقية للعاصمة خاصة في ظل وجود مشروع حاضنة مشاريع في سيدي عبد الله بنتائجها المُخيّبة للآمال. هل هناك ما يُمكن للسلطات المحلية التركيز عليه لتحسين البيئة التقنية في الجزائر.

الإشكال هو أننا لا زلنا نعتبر تنظيم الهاكاثونات ومسابقات الشركات الناشئة إنجازًا في حد ذاته. كم من مسابقة نُظّمت على مدار السنوات الماضية وكم من جائزة قدّمت وكم من مشروع “رائع” حصل على الجائزة الأولى في تلك المُسابقات واحتفت به وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية أيما احتفاء، ثم قارن ذلك مع عدد الشركات الفعلية التي تم إطلاقها بناء. نتيجة لذلك.

ما يُمكن للسلطات القيام به  بكل بساطة هو التخلي عن جميع مثل هذه المبادرات وتوفير مناخ يسمح ويُشجع على إطلاق ما يُمكن وصفه بـ boring tech companies، الشركات التي تقدم الخدمات الأساسية لغيرها من الشركات وللقطاع العام أيضًا. يُمكن أيضا للسلطات التوقف عن شراء مُنتجات تقنية من الخارج (خاصة ما يُمكن توفيره محليًا)، إضافة إلى تشجيع المصادر المفتوحة واشتراط أن تكون جميع المشاريع التي يحتاجها القطاع العام مفتوحة المصدر، إضافة إلى تحرير البيانات التي تعتمد عليها هذه التطبيقات (أو على الأقل تسهيل الوصول إليها). هذا الأمر سيخلق جوًا سيدفع بالكفاءات المحلية إلى العمل على مشاريع وحلول تعود بالنفّع على السوق المحلية. بعد أن يتم توفير مثل هذا المناخ ستصبح قضية ظهور شركات ناشئة على الطريقة الأمريكية وظهور مدن ذكية تحصيل حاصل، لأنه النمو الطبيعي للشركات آنفة الذكر سيؤدي إلى ذلك بطريقة عضوية organic.

لكن إن لم يكن من إطلاق مثل هذه المبادرات (من حاضنات مشاريع وغيرها) بد فيجب الأخذ في الحسبان بأنه القطاع العام لا يصلح أن يطلق حاضنات مشاريع ولا مُسرّعات، حيث أن مثل هذه المؤسسات تحتاج إلى مخاطرة ورؤوس أموال جريئة، كما أنها تحتاج أن يُديرها أشخاص لهم تجارب وخبرات في هذا المجال، سبق لهم إطلاق مشاريع ناجحة ويكون لهم كما يسميها نسيم طالب skin in the game، أي أن نجاح وفشل مثل هذه المبادرات سيعود بالنفع/الضرر بشكل مباشر على من يُديره. فلا يُمكن لإداري أمضى كامل حياته المهنية في القطاع العام أن يُدير مثل هذه المشاريع.