لمحة سريعة حول كتاب Bad Blood: Secrets and Lies in a Silicon Valley Startup
نُشر يوم 13 جويلية 2018 بواسطة يوغرطة بن علي (Youghourta Benali)
يحكي كتاب “دم فاسد: أسرار وكذب في شركة ناشئة في وادي السيليكون” ( Bad Blood: Secrets and Lies in a Silicon Valley Startup ) قصّة سطوع نجم شركة Theranos ثيرانوس ومؤسّستها إليزابث هولمز Elizabeth Holmes وسقوطها المدوي بعد زهاء عقد ونصف العقد.
لم يسبق أن غيّرت نظرتي تجاه شركة ناشئة و مؤسسها بشكل جذري في ظرف وجيز، مثلما حدث معي مع هذه الشركة بعد الفراغ من قراءة هذا الكتاب. لم أعد أتابع الأخبار التقنية عن كثب مثل السابق، لكنني كنت ألمَح عناوين أخبار ومقالات ما بين الحين والآخر تمجّد هذه العبقرية التي ستُنسينا ستيف جوبز. وخلال الأشهر الماضية بدأ الوضع يتغير وبدأت الأخبار والمقالات التي تُشكّك في ما تقدّمه ثيرانوس تتزايد. بداية كنت أعتقد أنها مجرد رغبة بعض الجهات في تشويه صورة هولمز، لكن بعد الفراغ من قراءة هذا الكتاب تغيّرت نظرتي للأمر.
إن لم يسبق لك مُتابعة أيّا من أخبار ثيراونس أو مؤسّستها فيُمكن تلخيصها في التالي: هولمز في سن الـ 19 تُقرر إيقاف مشوارها الجامعي لبناء شركة تُطلق مُنتجًا تحلم به. آلة لتحليل الدم تخلصنا من الحاجة إلى مُختبرات تحليل دم كبيرة، آلة صغيرة يُمكن أن تمتلكها وتضعها في مكتبك، وتحلل دمك في ظرف قصير. وفوق كل هذا لا حاجة لسحب عيّنة دم كبيرة من أحد عروقك، بل مجرد قطرات دم قليلة من إصبعك، تسحبها بعد وخزه وخزة خفيفة، قطرات دم قليلة تسمح لك بالقيام بجميع التحاليل والاختبارات التي ترغب فيها في آن واحد. كل هذا يبدو رائعًا، لكن كما يُبيّن الكتاب هو مجرد خيال علمي لا يُمكن تحقيقه على الواقع.
الفكرة التي أرادت هولمز الاعتماد عليها هو استخدام تلك القطرات وتمييهها للحصول على كمية أكبر من السوائل التي يُمكن فيما بعد تحليلها. لكن يبدو بأن قلة خبرتها في المجال الطبي ومحدودية اطلاعها على مجالها جعلها تمضي عقدا ونصف العقد تُطارد سرابًا.
من بين الأفكار التي استخلصتها من الكتاب:
-
إن أردت إطلاق مُنتج أو شركة ناشئة فيجب عليك أن تلمّ بشكل جيّد بالمجال الذي تنشط فيه. هل سمعت عن قصة رائد الأعمال هذا أو ذاك الذي وبسبب عدم معرفته العميقة بمجال ما، وبسبب عدم معرفته للعوائق التي فيه، استطاع أن يحل أحد المشاكل بطريقة مُبتكرة وأطلق شركة ناشئة ناجحة. أو هل سمعت عن طالب الرياضيات الذي نام، ولما استيقظ وجد مُعادلتين رياضيتين، كتبهما أستاذه على السبورة كأمثلة للمعادلات التي لم يُتوصّل إلى حلها من قبل، لكن وبحكم أنه افترض أنه واجب منزلي، قام بحلهما. كل هذه القصص جميلة ومؤثرّة، وبعضها (مثل قصّة طالب الرياضيات) صحيح، لكنّها الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة، والشاذ الذي يجب أن يُحفظ وأن لا يُقاس عليه. إلمامك بالمجال الذي ستنشط فيه أمر في غاية الأهمية خاصة لما تكون حياة/صحة/مستقبل زبائنك تعتمد على المُنتج، مثلما هو الحال مع مجال تحليل الدم، مع بطلة قصّتنا هذه.
-
نظام القضاء الأمريكي سيّء للغاية. لم تكن هولمز قادرة على القيام بما قامت به، ولم يكن سرّها ليبقى محفوظا طيلة هذه المدّة لولا الطريقة التي بُني عليها نظام القضاء الأمريكي. حيث أنه وإن ساء حظّك ورُفِعت عليك دعوى قضائية فمن المُرجّح أنها ستؤدّي بك إلى الإفلاس، خاصة وإن كان خصمك- كما يقول المثل الأمريكي- له جيوب عميقة. في كل مشكلة تصادف هولمز كانت تهدد خصمها بالمُتابعة القضائية، مُتابعة ستفلسه وتفلس أهله. فمن ذا الذي سيرغب في أن تكون شركة وصلت قيمتها السوقية إلى 9 مليارات دولار خصمًا له. مثلما أشارت إحدى مراجعات هذا الكتاب، فإن وجود ما يُسمّى بـ”القاعدة الإنجليزية” والتي تنص على أن من يخسر القضية هو من يدفع أتعاب مُحامي الطّرف الآخر.
-
شرعت هولمز في التسويق لمنتجها، بل وحتى تجربته على بعض المرضى رغم علمها بأن مُنتجها لم يكن جاهزًا. بل وبعد أن عقدت شراكات مع بعض المتاجر (سلسلة متاجر) لتقديم خدماتها (عبر أجهزتها) لديهم، كانت تشحن عينات الدم في ظروف غير ملائمة عبر خدمات الشحن السريع إلى مخابر الشركة، أين كانت عيّنات الدم تُحلل في بعض الأجهزة التي تسوّقها الشركة للقيام ببضعة تحاليل فقط، أما باقي التحاليل كانت تُقام على أجهزة اقتنتها الشركة من شركة سيمنس.
-
الآلة التي بنتها ثيرانوس كانت سيّئة لدرجة أن بعض التحاليل التي تجريها كانت تعطي نتائج أقرب ما تكون من مجرّد تخمين.
-
استطاعت هولمز أن تحصل على ثقة المستثمرين عبر استغلالها لأسماء الشخصيات التي ضمّتها إلى مجلس إدارة شركتها، والذي كان يضمّ شخصيات مثل هنري كيسنجر. لكنه مجلس كان “فاقد الأهلية” إن صح التعبير، فلم يضم أي خبير في المجال الطبي/تحليل الدم، كما أنه لم يكن قادرًا على اتخاذ أي قرار، حيث كانت هولمز تملك الأغلبية الساحقة التي تسمح لها بتمرير أي قرار ترغب فيه.
-
الكتاب يُبيّن أهمية وجود صحافة مُستقلّة لا تخضع لمبدأ “مشاهدات أكبر يعني مداخيل أكثر” بقدر ما تهتم بالوصول إلى الحقيقة وبتنوير الرأي العام. الكاتب الذي يعمل صحفيًا في الوالستريت جورنال يختص في التحقيقات المُطوّلة (التي تحتاج إلى عدّة أشهر لنشرها)، لم يكن بمقدوره أن يكشف ألاعيب ثيرانوس لو كان يُدفع له مُقابل عدد النقرات التي تحصل عليها مقالاته. رغم ذلك لا يعني بأن كل ما يُنشر على هذه الجرائد يخضع إلى نفس المعايير. في حين أن الكاتب يُشير إلى مُراجعة مُحامي الجريدة لمقاله جُملة جُملة قبل أن يُنشر، هناك قسم آخر في الجريدة يستقبل مقالات رأي، وتُنشر من دون تمحيص أو تدقيق.
-الكتاب يُسلّط الضوء على الجانب المُظلم من وادي السيليكون، حيث يكفي أن تكون فصيح اللسان وتملك مهارات التسويق والإقناع حتى تحصل على تمويل لمشروعك، بل ويُمكنك حتى بيع الأحلام لم يرغب في شرائها دون وجود مُنتج حقيقي. استطاعت هولمز أن تحصل على التمويل بعد التمويل رغم عدم تقديمها لمُنتج حقيقي يعمل. جزء من ذلك راجع إلى خشية بعض المُستثمرين والشركاء في تضييع “فرصة العمر”. هذه الحقيقة تدفعني إلى التشكيك بشكل أكبر فيما نقرأه ونسمعه من “إنجازات عظيمة ستغير مستقبل البشرية” على طريقة ستيف جوبز. فلا أستبعد الآن على سبيل المثال لا الحصر، أن تكون العديد من إعلانات إلون ماسك فارغة المُحتوى، خاصة وأن هناك شركة أسالت الكثير من الحبر خلال السنوات الماضية ولم يرق المُنتج الذي كشفت عنه مؤخّرا إلى مُستوى ما وعدت به في البداية، ويتعلق الأمر بشركة ماجيك ليب Magic Leap. يُمكن معرفة المزيد حول الأمر من هنا: https://digg.com/2018/magic-leap-demo-video
- فكرة أخرى قد لا تكون لها علاقة مُباشرة بالكتاب، لكن تدور من جديد في ذهني بعد الفراغ من هذا الكتاب، وهو أن مُحاولة العديد من الدول مُحاكاة وادي السيليكون تبدو فكرة غير سديدة، فالسيليكون فالي الذي يُروّج له عادة هو الجزء الظاهر فقط من جبل الجليد، لكن في حقيقة الأمر السيليكون فالي الحقيقية تحتوي الكثير من المشاكل (الأخلاقية وغيرها) التي يجب أن نبتعد منها بدل أن نُحاول محاكاتها.
أنصح أي رائد أعمال أو مُهتم بالتقنية (خاصة المُنبهرين بثقافة وادي السيليكون) بقراءة الكتاب.