هل يُمكننا التنبّؤ بالزلازل؟ ولماذا تزداد توقّعات الطّقس دقّة مع مرور الوقت؟ لمحة سريعة حول كتاب The Signal and the Noise: Why So Many Predictions Fail - But Some Don't
نُشر يوم 17 جوان 2018 بواسطة يوغرطة بن علي (Youghourta Benali)
كتاب يتحدث عن التّنبّؤ والتّوقّع، يتطرّق إلى هذا المفهوم عبر مجالات مُختلفة ويركّز بشكل أساسي على كل من الاقتصاد وسوق الأسهم والتّنبّؤ بنتائج الانتخابات السياسية، وحتى الزلازل وانتشار الأوبئة وبعض المواضيع الأقل جدّية كألعاب الحظ وتنبؤ نتائج مباريات كرة السّلة أو كرة المضرب.
من بين الأفكار التي ترسّبت لدي بعد الفراغ من هذا الكتاب (قد لا تكون هذه الأفكار أهم ما ورد في الكتاب بالضرورة):
-
هناك فرق ما بين التنبّؤ prediction والتّوقّعforecasting رغم أنه في الكثير من الحالات يُستعمل المُصطلحان للحديث على نفس المفهوم. إليك هذا المثال للتفريق بينهما: لا يُمكننا في الوقت الراهن التنبؤ بالزلازل (معرفة مكان وزمان الزلزال القادم) لكنه يمكن للعلماء المُختصين إعطاء توقّعات دقيقة حولها (العدد الإجمالي للزلازل المتوقّعة خلال فترة زمنية وفي حيّز جغرافي مُعيّن وقوّة تلك الزلازل) حيث هذا الأمر يخضع لـ Power Law (قانون رفع؟)، حيث يُمكن للباحثين أن يعلنوا بأنه من المتوقع أن يحدث زلزال بقوة كذا وكذا في المنطقة الفلانية خلال السنوات الخمسين القادمة. قد تتساءل ما فائدة مثل هذه التوقعات التي يُمكن أن نصفها بالمطاطية؟ الجواب بسيط: لنفرض أننا نتوقع حدوث زلازل بقوة 7 على مقياس ريختر خلال السنوات الخمسين القادمة في مدينة مُعيّنة، يعني بأنه على سلطات تلك المدينة فرض قواعد مُعيّنة للبنايات الجديدة التي ستبنى هناك لتحمل مثل تلك الزلازل. وقد يعني ذلك نقل مشاريع حسّاسة إلى مناطق أخرى (هل يُذكّرك هذا الأمر في حادث مُفاعل فوكوشيما الياباني؟)
-
سابقًا كنت أعتقد بأن تنبؤات الطّقس هو علم مُتناهي الدّقة، إلا أن الكتاب بيّن لي عدم دقّة هذا الاعتقاد (رغم أن توقعات الطقس تزداد دقة مع مرور الوقت). صحيح بأن توقعات الطّقس دقيقة (من ناحية إحصائية) على المدى البعيد، فعلى سبيل المثال إن نشرت الجهات المُختصّة توقعات بسقوط الأمطار بنسبة 40 بالمئة خلال الشهر القادم فستجد بعد نهاية الشهر أن الواقع يقترب بشكل كبير من هذه التوقعات، إلا أن التنبؤ بأحوال الطقس ليس علمًا دقيقًا نظرًا لوجود عوامل كثيرة جدًا تؤثر في ذلك وإلى صعوبة تحديد العوامل الابتدائية بشكل دقيق التي تعتمد عليها المُعادلات التي تُنتج تلك التنبّؤات (نظرية الفوضى / تأثير الفراشة). فعلى سبيل المثال ولدى استخدام نفس المُعادلات والنماذج الرياضية للتنبؤ بحالة الطّقس ولو غيّرنا القيمة الابتدائية لأحد العوامل بشكل طفيف جدًا (كأن نُغذّي تلك المُعادلة 20.5 كدرجة الحرارة الحالية بدل 20.4999) فإن النتائج النهائية قد تكون مُختلفة بشكل كبير جدًا. رغم كل ذلك فإن علم التنبؤ بأحوال الطقس يزداد دقّة كل يوم ومع مرور الوقت لسببين رئيسيين: الأول هو ازدياد سرعة وقوة الحواسيب العملاقة المُستخدمة للتنبؤ بالطّقس، والثاني وهو وجود حلقة تغذية رجعية مُتواصلة feedback loop لا نجدها في غيرها من المجالات، حيث يتم التنبؤ 365 مرة في السنة وبعد كل تنبؤ يُمكن مقارنة النتائج الفعلية بالتنبؤات، مما يسمح بتعديل وتصحيح المُعادلات التي بُني عليها التنبّؤ، وهو ما يجعل من علم رصد الأحوال الجويّة من بين المجالات الأكثر نجاحًا في مجال التنبّؤات/التوقعات. رغم ذلك فإنه لا يُمكن أخذ تنبؤات الطّقس التي تحاول إنباءك بأحوال الطقس بعد عدة أسابيع أو أشهر بمحمل الجد، نظرًا لصعوبة إعطاء تنبؤات دقيقة (خاصة لما يتعلق الأمر بتغيرات خارج مجال ما هو مألوف في نفس الفترة من كل عام).
-
وجهة نظر أخرى غيّرتها بعد قراءة الفصل الخاص بتنبؤ أحوال الطقس وهو أن هذا التخصص هو تخصص في غاية الجدّية، خاصة لما تعيش في مناطق تشهد تقلبات جوية كبيرة، حيث يستفيد الجميع (الاقتصاد، وشركات الملاحة الجوية وغيرها) من دقّة تلك التنبؤات، بل وقد يتضرر الكثيرون من توقعات طقس خاطئة، خاصة إن تعلق الأمر بأعاصير أو ما شابه.
-
رغم الدّقة المتزايدة لتوقعات الطقس فإنه لا يزال يُعتمد بشكل كبير على الخبرة البشرية، حيث أننا نحصل على توقعات أكثر دقة من التوقعات التي تُنتجها تلك المُعادلات والحواسيب الضخمة لوحدها بعد عرضها على خبراء مُختصّين. أضف إلى ذلك أنه في الكثير من الحالات تُنشر توقعات طقس أقل دقّة بشكل مقصود، فعلى سبيل المثال لو كان من المُتوقّع أن تهطل أمطار بنسبة 60 بالمئة فمن المُرجّح أنه سيتم الإعلان عن نسبة 80 بالمئة أو أكثر، حيث أن عامة الناس لن يتذمروا كثيرًا لو توقّعنا أمطارا بنسبة 80 بالمئة وحصلوا على جو مُشمس بدل ذلك، لكن سيتذمرون كثيرًا لو حدث عكس ذلك.
-
كلما زادت ثقة المُتوقّع بدقّة توقّعاته كلما ساءت دقتها مع مرور الوقت. بعبارة أخرى صدّق تلك التوقعات التي تعطيك نسبًا بدل تلك التي تعطيك أرقامًا دقيقة.
-
أفضل طريقة لدفع “الخبراء” الذين يظهرون على شاشات التلفزيون بإعطاء توقعات تفيد المٌشاهد هو جعل صاحب التّوقع يربح/يخسر من دقة/عدم دقة توقعاته. فعلى سبيل المثال لو ظهر نفس “الخبير الاقتصادي” أو “الخبير السياسي” وتوقع فوز الحزب الفلاني أو انهيار السهم الفلاني (عادة ما يطلقون توقعات رنانة للفت الانتباه) وحدث عكس ذلك فإنه يجب أن يلحق ضرر ما (في سمعته مثلا) بذلك المُتوقِّع. لأنه ما يحدث حاليًا هو عكس ذلك، إن توقع أمرًا وحدث فسيشار إلى ذلك وإن حدث عكس ذلك فإن الجميع سينسى تلك التوقعات وهو ما يدفع بـ “خبراء بلاتوهات القنوات الإخبارية” بإطلاق توقعات هدفها الوحيد هو جلب الانتباه. من بين الحلول المُقترحة في الكتاب هو إنشاء منصات أقرب ما تكون من منصات القمار، حيث يراهن كل صاحب توقع على توقّعه بمبلغ من المال، فإن صدق توقّعه حقّق ربحًا وإن خاب توقّعه خسر ذلك المبلغ. ما سينتج من خلال هذه المنصات هو إحجام أشباه الخبراء من إطلاق توقّعاتهم الرنانة ودفع الخبراء الفعليين إلى زيادة دقّة توقعاتهم نظرًا للعائد المادي لذلك.
-
زيادة البيانات التي نُدخلها في تحليل ظاهرة ما أو لبناء نموذج رياضي لتحليل أمر ما لا يعني بالضرورة زيادة دقّة النتائج، حيث أنه في الكثير من الحالات كلما زادت البيانات كلما زادت الضوضاء التي تجعل من اكتشاف الإشارة (ما نبحث عنه) أمرًا في غاية الصعوبة.
الكتاب في غاية الأهمية حتّى لغير المُختصين، يُمكن القول بأن الأفكار التي فيه ستساعدك على التفكير بشكل أوضح وعلى فهم ما تقرأ من توقعات بشكل أفضل، كما أنها ستساعدك في التفريق ما بين التنبؤات والتوقعات ومعرفة كيف تبني قراراتك بناء عليها.