قراءة في كتابة "من يحكم العالم؟" لنعوم تشومسكي
نُشر يوم 8 أوت 2016 بواسطة يوغرطة بن علي (Youghourta Benali)
من يحكم العالم؟ هل الدّول فعلًا هي من تحكم العالم؟ أم المؤسّسات والجهات المؤثّرة التي تسعى للحفاظ على قوّتها وسيطرتها على تلك الدّول. هذه عيّنة من الأسئلة التي يقوم كتاب Who Rules the World? بالإجابة عنها.
من بين “الخلاصات” التي خرجت بها بعد الفراغ من الكتاب (رغم أنها ليست بالضرورة ما يهدف الكتاب إلى إيصاله) هو أن الحزب الجمهوري في أمريكًا قد يكون المُحرّك الرئيسي لهلاك العالم الذي نحيا فيه، إن لم يكن بالسلاح النووي الذي يُمكن أن يُستعمل إن وصل مرشّح جمهوري مثل دونالد ترامب إلى سدّة الحُكم، فبالاحتباس الحراري الذي يُنكر وجوده كل مرشّحي الحزب في الانتخابات الحالية. سبب ذلك -حسب الكتاب- هو “وقوع” الحزب في فخ تيار المال الذي يتحكم فيه ويديره حسب مصالحه.
بعض الأفكار المهمة في الكتاب
هذه مجموعة من الأفكار المُهمّة (في نظري) والتي استخلصتها من الكتاب.
-
مسؤولية الطّبقة المُثقّفة: ماهية الطّبقة المُثقّفة، والاختلافات الجوهرية ما بين المثقّفين الذين يسيرون مع التّيّار (وهي الجماعة التي تحظى عادة بالاهتمام والتقدير)، والمثقفين الذين يثبتون على مواقف وآراء لا تتوافق دائمًا مع “الطبقة الحاكمة” و"المصالح” مما يُعرّضهم للتهميش والإقصاء، وفي كثير من الأحيان الإعدام.
-
فقدان الذّاكرة التّاريخية historical amnesia، والذي يكون عادة مقصودًا ومُدبّرًا، هو ما يجعل “الشعوب” تُدار كالقطعان، حيث يُمكن حتى لكبريات الجرائد المرموقة (مثيلات نيويورك تايمز) أن تمارس ذلك عن قصد (أو عن غير قصد)، إما عبر تغليط الرأي العام، أو استخدام مُصطلحات لا تُعبّر عن “قيمة” و"قوّة” الأحداث التي تُعالجها. إضافة إلى الكيل بمكيالين: مُعالجة قضايًا/أحداث من نفس النّوع وبنفس الحجم بطرق مُختلفة، حسب اختلاف الجلاد والضّحية.
-
تراجع قوّة أمريكًا بشكل متواصل منذ أن بلغت ذروتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. رغم ذلك لا وجود لأية قوة أخرى تنافسها على الصّدارة بعد. هناك إمكانية لأن تنافسها الصين على ذلك، لكن لا تزال الصّين بعيدة كل البعد عن تحقيق ذلك*
-
العالم كان على حافة كارثة نووية (يعني أن يستعمل أحد الأطراف السلاح النووي لقصف طرف آخر) على الأقل 3 مرات إلى حد السّاعة، وما منع ذلك كل مرة هو حكمة بعض “الجنود” في كلا المُعسكرين الأمريكي والروسي، الذين رفضوا تطبيق البروتوكولات التي تُحدد آلية وشروط استخدام السلاح النووي إن اجتمعت عوامل تدفع إلى ذلك (كوصول تحذير بأن الطّرف الآخر قد أطلق فعلًا سلاحه النّووي).
-
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: ما زالت تلعب أمريكا دورًا كبيرًا في الظّلم الذي تمارسه إسرائيل على الفلسطينيين. إمكانية تغير الأوضاع بشكل جذري لو سحبت أمريكًا دعمها لإسرائيل مثلما سبق وأن دعمت الأبارتايد في إفريقيا الجنوبية وترنّحه الذي ساهم توقف دعم أمريكًا له فيه.
-
حماس كانت تحترم شروط جميع الهُدنات بحذافيرها وإسرائيل كانت هي السّباقة لخرقها بسبب مُبرّرات واهية (لا تهم قوّة المُبرر عادة بقدر ما تهم كيفية استغلاله إعلاميًا لتبرير ذلك).
-
الغرب يدعم الديمقراطية التي تسير وفق شهواته فقط: العقاب الجماعي لفلسطين بعد انتخاب حماس بطريقة ديمقراطية في انتخابات شهد لك جميع المُراقبون الدّوليون بنزاهتها.
-
أمريكًا دولة إرهابية بكل ما تحمله الكلمة من معنى (خصّص الكاتب فصلًا كاملًا يحمل هذا العنوان)
-
أمريكًا تعتقد بأنه من حقّها نشر قوّاتها أينما ووقتما أرادت (تتعامل مع بقية العالم على أنه حديقة بيتها الخلفية) وكل من يُحاول مُعارضة ذلك يُعامل على أنه إرهابي أو “عنصر مزعج” يجب التّخلص منه. على سبيل المثال، أمريكًا تنشر قواتها العسكرية في البحر الصيني وتعتبر ذلك حقًا من حقوقها، لكن قيام الصين بنفس الأمر (يعني نشر قوات لها في بحرها وليس قرب الحدود الأمريكية) تعتبره أمريكًا استفزازًا لها ولجبروتها. يعقد الكاتب أيضًا مُقارنة بقيام أمريكًا بمناورات عسكرية على حدود كوريا الشمالية والذي هو استفزاز صارخ لها، ويتساءل كيف ستكون ردّة فعل أمريكًا لو قررت كوريا الشمالية القيام بمناورات مُشابهة على الحدود الأمريكية الكندية مثلًا وكيف ستنظر إلى الأمر على أنه أقرب ما يكون من إعلان حرب.
-
أمريكًا هي أكبر تهديد للأمن العالمي حسب استبيانات قامت بها مؤسسات أمريكية مرموقة كمؤسسة جالوب. وامتناع الصحافة الأمريكية عن تغطية مثل هذه الاستبيانات.
-
التهديد الإيراني هو تهديد “فارغ” ضُخّم لخدمة مصالح مُعيّنة. يشير الكاتب إلى ضعف قدرات الجيش الإيراني مقارنة بجيوش مجلس التعاون الخليجي، أو كون عقيدة الجيش الإيراني عقيدة دفاعية مما يجعل حتى احتمال امتلاكه لسلاح نووي هو “سلاح ردعي” فقط ولا يهدف إلى استخدامه لـ"التّعديّ” على دول أخرى.
-
ضرورة فهم “عقلية الدّول المارقة” في نظر الغرب. يشير الكاتب إلى أنه لا يحتاج مثلًا إلى دعم سياسات روسيا مثلًا وتوجّهات رئيسها بوتين، ليفهم “المنطق” القائم وراء ذلك، فدخول روسيا في حرب سوريا، أو ضمّها لجزيرة القرم راجع إلى “عبث” أمريكًا في حديقة روسيا الخلفية. فلا يُعقل مثلًا أن تنشر روسيا أسلحتها على حدود أمريكًا أو قريبًا منها حتى نتوقّع ردّة فعلًا أمريكًا (مثلما حدث مع حادثة الصواريخ في كوبا) وعليه فمن الطّبيعي أن يتحرّك بوتين لحماية مصالح بلده إن قامت أمريكًا بتحرّكات مُشابهة. نفس الأمر مع كوريًا الشمالية، يشير الكاتب بأن قادتها يتنافسون على لقب أكثر قاعدة العالم جنونًا (في إشارة إلى احتمال أن تنزع الصدارة دول غربية) إلّا أن تلك الحركات الجنونية التي يقومون بها ليست سوى ردّة فعلً للاستفزازات الأمريكية.
-
العالم يُواجه تهديدين رئيسين حاليًا: السّلاح النّووي والاحتباس الحراري، السّلاح النّووي قد يُحدث كارثة “عن طريق الخطأ” في أية لحظة (الأنظمة الحالية -حسب الكتاب- تسمح مثلًا بإطلاق أسلحة نووية من غواصات دون الرّجوع إلى القيادة الرئيسية على اليابسة، ولا وجود لآليات إلغاء أوامر الإطلاق من اليابسة إن تم تفعيلها، حتى ولو قام بذلك جندي يعمل على حسب أهوائه)، وسيلحق ذلك ضررًا ليس في الضّحية فحسب وإنما حتى في من سيُطلقها، فحتى إن سلم المُطلق من تبعات تعرضها لهجوم مماثل (إن هي هاجمت قوة نووية أخرى) فإن شبح الشّتاء النووي سيُخيّم على الجميع. أما الاحتباس الحراري فإننا نتّجه بشكل سريع نحو نقطة اللارجوع (نقطة سنصل إليها -حسب الكاتب- سنة 2017)، نقطة لو وصلنا إليها فستهدد مستقبل البشرية على الأرض بشكل عام، وحتى إن استطاعت البقاء فإنها ستبقى في ظل ظروف تصعب الحياة معها.
-
أسياد العالم ليسوا دولًا وإنما مصالح، مؤسسات استثمارية، شركات مُتعدّدة الجنسيات وغيرها من الجهات التي تمارس ضغوطها على الدّول لتحافظ على مصالحها.
الكتاب، يحتوي بعض التكرار هنا وهناك، قد يكون ذلك ضروريًا للتأّكيد على خطورة/أهميّة بعض الأفكار، يُعالج القضية الفلسطينية بشكل أراه مُنصفًا يندر أن تشاهد ولو عُشره في الإعلام الغربي، ويشرح أفكاره بأسلوب مبسّط وبلغة سهلة.
لم أقرأ أي كُتب أخرى لتشومسكي بعد، لكن تشير بعض المراجعات (على Goodreads) على أن هذا الكتاب يُمثّل مدخلًا رائعًا لأفكار وفلسفة الكاتب، وسيُسهّل على القارئ الإبحار في باقي أفكاره بشكل أفضل.
حوار مع تشومسكي حول كتابه:
أنصح الجميع بقراءة الكتاب. بإمكانه شراءه على أمازون من هنا: http://amzn.to/2azJGjj
*: في كتابه “غدّا، من سيحكم العالم” (Demain, qui gouvernera le monde ?)، يذهب جاك أتالي ( Jacques Attali) مذهبًا قريبًا من ذلك، لكن يتوقع أن تتشارك كل من الصين وأمريكًا الصّدارة مع بعض مما سيحقق توازنًا في القوى لحين من الدّهر.
ملاحظة جانبية: إن كنت وصلت إلى غاية هذا السّطر فأشكرك على قراءة هذا المقال كاملًا. قد تتساءل مع علاقة هذا الكتاب بالتقنية؟ والجواب هو -بكل بساطة- لا علاقة للأمرين إطلاقًا. أجرّب حاليًا فكرة الكتابة حول الكتب التي أقرها هنا وقد تتحول المجلة التقنية بشكل تدريجي إلى مدونة شخصية.
لاحظ أيضًا أنني أستعمل أسلوبًا أقرب ما يكون من الملاحظات الشّخصية (يعني أكتب لأتذكّر لاحقًا ما كُنت أعرفه عن الكتاب). وعليه قد يُعطيك ذلك لمحة حول الكتاب فقط ولا يُغنيك ذلك عن قراءته الفعلية (يعني لست ألخّص الكتاب بقدر ما أدّون ملاحظات حوله)