لهذه الاعتبارات يُمكن الجزم بأن طائرات أمازون لم تكن سوى حيلة تسويقية لن تعود بالنفع على المُستخدم
نُشر يوم 11 ديسمبر 2013 بواسطة يوغرطة بن علي (Youghourta Benali)
هناك من الشركات التي تبقي مُنتجاتها سرية إلى حين الكشف عنها بشكل أقرب ما يكون إلى افتتاحيات الألعاب الأولمبية، هناك من الشركات من تفلح في ذلك وهناك من تتسرب (أو تُسرب) التفاصيل التقنية لتلك المُنتجات أياما عديدة قبل الإعلان الرسمي عنها. ما قامت به Amazon مُؤخرا من الكشف عن خُططها لتوفير خدمة للتوصيل عبر الطائرات لا يقع ضمن هذا التصنيف، حيث أن الخدمة ليست سوى فكرة لا يزال العمل على تطويرها متواصلا، كما أنها لن تكون جاهزة قبل 5 سنوات مثلما أشار إليه مؤسس الشركة جف بيزوس Jeff Bezos لدى إعلانه عن الأمر.
الطريقة التي كشفت عنها أمازون عن خدمتها الجديد مُثيرة للاهتمام وللريبة / الشك في آن واحد، فمن جهة اختار بيزوس وقتا مُناسبا جدا للكشف عن هذه الخدمة الجديدة، حيث تم الإعلان عنها خلال حصة “ستون دقيقة” التي تُعرض ليلة أحد، أي خلال الفترة التي يُمكن فيها لأكبر قدر من المُتابعين، كما أن هذا الإعلان أتى في مرحلة مُناسبة أيضا وهي فترة أعياد واستهلاك يقوم فيها الأمريكيون بزيادة إنفاقهم على مُختلف الهدايا والأجهزة الإلكترونية، كما أنها أتت يوما واحدا فقط قبل Cyber Monday الذي ينافس في شراهة الاستهلاك فيه يوم الجمعة الأسود الذي يسبقه بأيام.
لكن ما حقيقة هذه الخدمة الجديدة، هل فعلا ستقوم بإحداث ثورة في عالم توصيل المُشتريات أم أنها مُجرد دعاية مجانية لشركة تحتل الريادة في مجال التسوق على الإنترنت؟ لفهم الوضع بشكل جيد، يجب أن نُحلل ما تم الإعلان عنه وأن نفهم جيدا مجال توصيل المُشتريات.
يُمكن لخدمة التوصيل عبر الطائرات الصغيرة أن يُكتب لها النجاح أو على الأقل أن تكون مُفيدة لو استطاعت تحقيق هدفين اثنين:
توفير خدمة توصيل أرخص وبالتالي تسجيل فوائد أكبر للشركة التي تستغل هذه التقنية.
تقديم خدمة مُميزة للُمشتري لا يُمكن تحقيقها عبر وسائل أخرى.
بحكم أن عمليات التوصيل عبر هذه الطائرات لن يتم سوى للطلبات التي لا يتجاوز وزنها 2.5 كغ التي يتم إيصالها إلى الزبائن الذين يقطنون ضمن دائرة لا يتجاوز مداها 15 كم من مُستودعات أمازون فإن تحقيق الهدفين آنفي الذكر أصبح محدودا إلى حد كبير، فلا يُمكن أن يكون التوصيل عبر هذه الطائرات أرخص من التوصيل عبر الطرق التقليدية، حيث أن التوصيل على المسافات القصيرة هو الأرخص تكلفة على الإطلاق، كما هذا التوصيل السريع لن يفيد سوى شريحة محدودة من الزبائن الذين يحتاجون إلى سلع مُعينة بشكل مُستعجل جدا، رغم أن تحديد سقف أعلى للطلبات لا يتجاوز 2.5 كغ يُقلص دائرة السلع التي يُمكن طلبها عبر هذه الخدمة، كما أنه سيُقصي المواد الغذائية من القائمة والتي تجد أمازون صعوبة في توسيع نطاق توصيلها في نفس يوم شرائها، حيث أنها لا تزال غير قادرة على توفير هذه الخدمة (Amazon Fresh) خارج سياتل رغم الكشف عنها منذ سنوات طويلة. أضف إلى ذلك التكاليف العالية جدا للتوصيل في نفس اليوم.
حتى ولو قامت فعلا أمازون بتوفير خدمة التوصيل بعد 5 سنوات وحتى ولو حصلت على الموافقة لإطلاق طائراتها على الأراضي الأمريكية ، فكم سيكون عدد الزبائن الذين سيكون بإمكانهم الاستفادة من الأمر (طلبات لا يتجاوز وزنها 2.5 كغ، ضمن نطاق 15 كم من مستودعات الشركة)؟ لن يتجاوز الأمر في أحسن الحالات بضعة آلاف من المُستخدمين فقط. قارنوا هذا العدد بعدد المقالات التي كُتبت حول هذه الطائرات، لا أعتقد أنني سأكون مخطئا لو قلت بأن عدد المقالات سيكون أكبر بكثير من عدد الزبائن (نتائج Google تشير إلى أكثر من 190 مليون نتيجة بحث حول amazon drone).
بعبارة أخرى، استطاعت أمازون من خلال الإعلان على خدمة التوصيل عبر طائراتها أن تنفذ حملة تسويقية كبيرة لها لم تُكن تكلفتها سوى تكلفة تصوير الفيديو التي تستعرض فيها آلية عمل هذه الخدمة.
هذه الطريقة في التسويق قد تكون غير ضارة في حالة أمازون، لكن قد يكون لها عواقب كبيرة في حالات أخرى، فعلى نفس نهج أمازون قام Xavier Niel مدير شركة Free الفرنسية بالتسبب في إحداث تراجع في قيمة أسهم منافسيه وصلت إلى ملياري يورو بسبب تغريدة واحدة نشرها على حسابه على تويتر يوحي فيها بإطلاق خدمة 4G جديدة بأسعار مُنخفضة جدا مُقارنة بمنافسيه رغم أن هذا العرض لم يتم الكشف عنه رسميا ومن المُحتمل أن لا يتم الكشف عنه بهذا السعر المُنخفض جدا (19.99 يورو شهريا لـ 20 GB).
— Xavier Niel (@Xavier75) December 3, 2013
بعد أن عانينا من الإعلانات الواقعية على شاكلة الكاميرا الخفية التي تحاول السخرية من بعضنا لإضحاك الآخرين وللتسويق لبعض المُنتجات، هل انتقلت العدوى إلى رؤساء الشركات والذين سيحاولون في المستقبل القريب جذب الانتباه إلى شركاتهم بأي طريقة (مهما كانت رخيصة)؟
هذا المقال مُستوحى من مقال Amazon et Free entrent dans l’ère du Geekwashing لكاتبه Cédric DENIAUD