[رأي] لماذا تخلّيت عن متصفح Chrome
نُشر يوم 9 أبريل 2013 بواسطة Muhammad Fawwaz Orabi
لماذا تركت Chrome؟ هناك عدة أسباب في الحقيقة، بعضها فلسفي وبعضها عملي، فأما الأسباب الفلسفية فتتلخص بأنني بدأت الابتعاد عن الاعتماد على مجموعة خدمات تابعة لشركة واحدة، وخصوصًا إذا كانت هذه الشركة هي Google، مع أن Chrome هو واحد من المشاريع التي يستبعد كثيرًا أن تتخلى Google عنه كما فعلت مع Reader، لكنّ كمّية المعلومات التي يمكن تجميعها من متصفح ويب كبيرة، وكذلك فإن Chrome -على الرغم من الخدمة الكبيرة التي قدمها لتطوير الويب والدفع بتقنياته نحو الأمام- يكاد يصبح نسخة جديدة من Internet Explorer 6، وهو ليس رأيي وحدي.
كيف يمكن أن يكون متصفح حديث جدًّا نسخةً من متصفح سيئ السيط كـIntenert Explorer 6؟ حسنًا، كان IE6 يومًا ما متصفّحًا حديثًا جدًّا، وربما اعتبره البعض متفوّقًا على منافسه اللدود Netscape Navigator، لكنه أصبح محلّ استهزاء مستخدمي الكمبيوتر حول العالم كله؛ والسبب إنه كان حديثًا لدرجة أنه تبنى تقنيّاته الخاصّة التي لم تصبح فيما بعد قياسية إما لظهور بديل أفضل منها بعد عدة سنوات أو لأن Microsoft أصرّت على أن تبقيها تقنيات مملوكة غير قياسيّة، ومثال ذلك ActiveX. أن تبتكر تقنيّاتك الخاصة شيء جيّد، بشرط أن تقدّمها لتصبح قياسيّة بالتعاون مع منظمة W3C؛ وعلى الرغم من أن Google تتعاون بشكل كبير مع المنظمات المسؤولة عن وضع معايير لغات برمجة الويب وتقدم معظم المصدر البرمجي لمتصفحها Chrome، إلا أنها ما تزال تحتفظ بتقنيات خاصة من الطرف الآخر، على سبيل المثال: إمكانية الاحتفاظ بمستندات Google Drive دون اتصال، وتحرير بعض أنواعها، وكذلك Gmail Offline، وتقويم Google بلا اتصال؛ والإعلانات التي تظهر عند تصفح Docs من متصفح آخر وتقول: “تصفح مستندات Google بشكل أسرع باستخدام Google Chrome”، وهذا يذكر بالعبارات التي كانت المواقع تكتبها في التسعينات من مثل “هذا الموقع يظهر بشكل أفضل باستخدام المتصفح الفلاني”، يوم كان كل متصفح يتبنى طريقته الخاصة في تنفيذ نص برمجي معيّن، أو يتضمن تقنيات خاصة به، والمتصفح الآخر يتبع طريقة أخرى أو تقنية أخرى لتنفيذ المهمة ذاتها، كانت تلك الأيام جحيمًا لمطوّري الويب، وكان أفضل الحلول أن تحرص على أن يعمل موقعك على المتصفح المسيطر على السوق وتُهمل الآخر، لصعوبة التطوير لكل متصفح.
هكذا كان الوضع، وازداد سوءًا بعد ازدياد سيطرة Internet Explorer في غياب منافس حقيقي، حتى جاء Firefox من Mozilla، المؤسسة غير الربحية التي تُعني بالمحافظة على انفتاح الويب (حقيقةً لا كما تدّعي Google) ولا يرتبط تطوير متصفّحها بحاجة تجاريّة تقيّد تطويره أو تدفع لاستخدام تقنيات محتكرة. الفرق بين هذا ومتصفح من شركة تجارية قد لا يكون واضحًا في بدايته، ولكنه سيتّضح بعد سنين.
سبب فلسفي آخر هو سيطرة Google الكاملة على الإضافات والتطبيقات التي يمكن تثبيتها، فلم يعد ممكنًا بالنسخ الأخيرة من Chrome تثبيت إضافات من خارج سوق Chrome الإلكتروني إلا بسحب الإضافة (بعد تنزيلها) إلى صفحة الإضافات وإسقاطها، وهذا قد يكون مبرّرًا لحماية المستخدم، لكنه أيضًا مخالف لحرّيته في تثبيت ما يشاء على متصفّحه، وهو أمر يعطي Google سلطة كبيرة على كيفية استخدام متصفح ويب بحيث يكون سوق Chrome الإلكتروني هو المصدر الوحيد (تقريبًا) للتوزيع، ويقيّد حرّية المطوّرين للغاية؛ وكما هو معلوم فإن وجود مصدر توزيع واحد ورسمي للتطبيقات يقلل من احتمالية العثور على التطبيقات من مصادر أخرى، الأمر الذي لا تقوم به Mozilla على الرغم من وجود مكان موحّد لتثبيت الإضافات، إذ إنّها لا تجعل من تثبيت الإضافات من مواقع أخرى عمليّة صعبة.
أفهم جيّدًا كيف دفع Chrome بالويب نحو الأمام وجعله منصّة للتطبيقات بعد أن كان الويب مجرّد صفحات مع بعض مواقع شهيرة متفرّقة تقدم خدمات معيّنة، وكيف بنت Google على فكرة الإضافات التي كانت أشهر ما ميّز Firefox وأضافت فكرةً جديدة هي التطبيقات، وهي العنصر الذي كان ينقص الويب ليصبح وجهة المستخدم الأول كبديل عن تطبيقاته المحلّيّة. لذا فالعودة إلى Firefox تحمل شيئًا من الوفاء والاعتراف بالفضل، وما زلت بانتظار أن تقدم Mozilla فكرة تطبيقات بديلة تتوافق مع مبادئ انفتاح الويب وتكون معيارًا موحّدًا يمكن لجميع المتصفحات تبنّيه.
يجب أن لا ننسى أن Chrome أتى أيضًا بأفكار ثورية تشبه في مستواها ما أحدثه Firefox في البداية فـChrome هو من قاد عملية سعي المتصفحات إلى تبسيط الواجهة والتخلص من الأزرار والقوائم غير الضرورية والتركيز على محتوى الصفحة، حتى إن هذا أصبح مجالاً للتنافس فبعد Chrome قامت Apple وMozilla وMicrosoft بإجراء تعديلات واسعة على واجهة متصفحاتها، وأذكر أن Microsoft قارنت IE10 مع Chrome من حيث مساحة الصفحة المعروضة في كل منهما على سبيل الفخر.
هذه كانت بعض الأسباب الفلسفية، أما الأسباب العملية، فهي الأرقام الفلكية التي يستهلكها Chrome من ذاكرة RAM بسبب كثرة الإضافات التي أستخدمها، مع أنني أستخدم عددًا مقاربًا من الإضافات على Firefox ومعظمها مماثل لمقابله في Chrome، إلا أن استخدام RAM أقل بكثير من نظيره، ربما يعود السبب لاعتماد تعدد العمليات multi-process في Chrome التي تحمي كامل المتصفح من الانهيار، إلا أن لها نتائج سلبية للغاية كما أرى. الهدف من تعدد العمليات ثم إضافة ما يسمى sandbox حول المحتوى في Chrome هو أولاً حماية المتصفح من انهياره بالكامل، فتعطل صفحة ويب واحدة لن تسبب تعطل المتصفح بالكامل على عكس المتصفحات القديمة نسبيًّا، وثانيًا عزل صفحة الويب ذاتها في “صندوق رملي” يمنعها من الوصول إلى صلاحيات عالية. أعتقد أن Chrome بالذات هو الذي سبّب مشكلة تراجع الأداء مع استمرار تشغيل الكمبيوتر دون انقطاع، أو ما يعرف بـregression، فقد كنت أعتقد أن المشكلة متعلقة باستخدام برامج تشغيل drivers لبطاقة معالجة الرسوم وكونه مفتوح المصدر، لكنني لاحظت تناقص هذه المشكلة مع Firefox، ولكن السبب قد يكون متعلّقًا بانتقالي من Mint إلى Ubuntu (وهو مستبعد على كل حال).
أعتقد إذًا أن علينا الاعتراف بفضل Google في الدفع بتطوير الويب للأمام، لكن علينا ألا نتجاهل الهدف الذي تسعى إليه Google كأي شركة تجارية أخرى تسعى لزيادة أرباحها من المنصة التي تعمل عليها، والفرق هنا أن هذه المنصة هي الويب، الذي يجب أن يبقى حرًّا وغير متعلق بإرادة شركات تجارية سواء كانت مصلحتها في تطوير الويب أم في غير ذلك.