لماذا يواصل سعر سهم فيس بوك النزول؟

نُشر يوم 12 جوان 2012 بواسطة يوغرطة بن علي (Youghourta Benali)


منذ أن وطأت أرجل فيس بوك أرض Nasdaq وسعر سهمها في تراجع مستمر، حيث فقدت أسهمها ما لا يقل عن 30% من قيمتها. وقد يكون السبب الرئيسي لهذا التراجع هو تضخيم في قيمة الشبكة الاجتماعية مقرون بتضخيم في قدرة الشبكة على النمو. لكن لا يمكن حصر كل هذه الأمور في تقييم الفوائد المرتقبة للشبكة، حيث أن فيس بوك لا زالت تعاني من مشاكل هيكلية تأبى الأسواق المالية غض الطرف عنها

قدرة نمو مبالغ فيها

كما هو معروف فلقد تم طرح أسهم فيس بوك بسعر افتتاحي قُدّر بـ 38 دولار. لكن لماذا 38 دولارا على وجد التحديد؟ لأن هذا السعر سيمكن الشركة من تجاوز قيمة 100 مليار دولار، وهي قيمة تم احتسابها اعتمادا على ما يمكن للشبكة أن تحصل عليه من أرباح على مر السنوات القادمة. لكن كيف يمكن حساب الفوائد المستقبلية بشكل دقيق؟ في حقيقة الأمر لا يمكن القيام بذلك، لأن الأمر متعلق بـ"قناعات” فقط. وفيما يخص فيس بوك فإنه كانت هناك قناعة بقدرة الشبكة على مضاعفة فوائدها 5 مرات وتتجاوز بذلك  5 مليارات دولار، لكن بعد أن بدأ أفق الشبكة في الترسم بشكل أوضح يبدو بأن الأمر أصبح بعيد المنال.

هناك على الأقل 3 أسباب رئيسية ستحد من نمو أرباح فيس بوك على مر السنوات القادمة:

الأسواق التي لم يحصل عليها فيس بوك بعد أقل خصوبة من غيرها:

تملك فيس بوك أزيد من 900 مليون مستخدم، وتملك قاعدة مستخدمين جد واسعة في البلدان المتطورة التي تعرف انتشارا واسعا للإنترنت، وإن أرادت الشبكة التوسع أكثر فما عليها سوى استهداف أسواق الدول في طور النمو كالصين والبرازيل، لكنها أسواق غير معروفة بغنى المعلنين فيها، وبالتالي فإن الأرباح التي ستجنيها من هذه الأسواق لن تكون معتبرة.

أداء الإعلانات ضعيف جدا:

بالرغم من كل الجهود التي تبذلها فيس بوك في مجال الإعلانات وبالرغم من الإضافات التي أطلقتها كالـ sponsored stories وreach generator إلا أن أداءها يبقى ضعيفا، حتى الدراسات التي أٌعدت حول إعلانات فيس بوك أكدت ضعفها خاصة الدراسة التي نشرتها emarketer والتي كشفت بأن 83% من مستخدمي فيس بوك لا ينقرون على إعلانات الشبكة. أضف إلى ذلك الدراسة التي أعدتها كل من Reuters وIpsos والتي توصلت إلى نتيجة أن 4 مستخدمين من أصل كل 5 لم يسبق لهم أن اشتروا منتجا أو اشتركوا في خدمة نتيجة لإعلان رأوه على فيس بوك. خلاصة القول: أن تدفع أموالا طائلة مقابل إعلان لا يهم أحدا لن يقدم لك أية نتائج إيجابية.

إمكانية الاستفادة المالية من تطبيقات الهواتف الذكية مستبعدة:

بالرغم من الإعلانات المتوالية لفيس بوك بخصوص الهواتف وخاصة الإعلان عن متجر تطبيقات خاصة بها، إلا أن السؤال الذي لا يزال يطرح نفسه وبقوة يتعلق بقدرة الشبكة على الاستفادة المادية من ذلك. إلى غاية إثبات العكس، لم تستطع فيس بوك أن تجني أية ملايين من الدولارات من الملايين التي تستخدم تطبيقاتها على الهواتف الذكية بشكل يومي. لكن قد يقول قائل بأنه لا توجد أية خدمات استطاعت أن تجني هذه الملايين من تطبيقاتها على الهواتف الذكية، لكن ما يزيد وضع فيس بوك تعقيدا هو عدم قدرة الأسواق المالية على هضم قيام Zuckerberg بشراء تطبيق Instagram مقابل مليار دولار وهي الخدمة التي لم تستطع تحقيق أي مداخيل على الإطلاق (لماذا اشترت فيس بوك Instagram مُقابل مليار دولار).

خلاصة القول، يبدو جليا بأن 38 دولار هو سعر مبالغ فيه لسهم فيس بوك، ويرى المحللون حاليا بأن سعرا يتراوح ما بين 20 و 24 دولارا سيكون أكثر منطقية، مما يجعل قيمة الشبكة في حدود 50 مليار دولار، أي ما يعادل 50 ضعفا لفوائد العام الماضي، وهو رقم أقرب إلى المعقول من 100 مليار دولار.

لكن السؤال الذي يمكن أن يدور في أذهانكم الآن هو: إن كانت كل هذه المعطيات معروفة من طرف فيس بوك والمحللين، لماذا فضلت الشبكة لعب ورقة تضخيم قيمتها؟ الجواب بسيط جدا، قامت فيس بوك بذلك لأنه من جهة لديها القدرة على القيام بذلك (حتى مع هذا السعر فإنه تم بيع كل الأسهم)، ومن جهة أخرى كان يجب عليها القيام بذلك، لأنه لا توجد هناك فرص أخرى يمكن فيها للشبكة أن تجمع فيها هذا الكم من الأموال في هذا الظرف القصير. كما أن وراء فيس بوك مجموعة من المستثمرين كانوا في حاجة ماسة إلى الترويج لهذه القصة السعيدة التي استطاعت فيها شركة ناشئة تحقيق 5 مليارات من الفوائد في أقل من 10 سنوات فقط من إنشائها، وهذا للتغطية على المخاطر التي كانت تحف استثماراتهم في الشبكة إن هي لم تحقق النتائج التي كانوا يرغبون فيها. فيس بوك هي فعلا “قصة نجاح” succes story محبوكة على الطريقة الأمريكية، لكن الاختلاف هذه المرة هو أن المستثمرين كانوا جشعين أكثر من اللازم. وكالعادة، من يدفع ثمن هذا الشجع هم صغار المستثمرين.

نقاط ضعف هيكلية لا تزال تحتاج إلى حلول

الآن وبعد أن خضنا في الأمور المالية للشركة، دعونا نتطرق إلى مشاكل أكثر عمقا من ذلك، ويتعلق الأمر بمشاكل لم تستطع فيس بوك (أو ربما لا ترغب في) حلها:

سباق حامي الوطيس لجذب الانتباه:

أكبر خدعة تروج لها وكالات الترويج على فيس بوك هي أنه بمجرد أن تفتح صفحة على الشبكة سيصبح بمقدورك الوصول إلى ملايين المستخدمين الذين يمكن ضمهم إلى صفحتك بسهولة. الأمر أبعد ما يكون عن الحقيقة لأنه وبكل بساطة كبريات الشركات تزايد فيما بينها لتحصل على أكبر قدر من اهتمام المستخدمين تصل إلى درجة الاستعراض، مما يصعب المهمة على البقية، خاصة وأن الشكل الجديد للصفحات على فيس بوك تفضل بشكل ما كبار المعلنين عن غيرهم، مما دفع بنسبة “الالتزام” على هذه الصفحات إلى التراجع (Facebook Engagement Dips: 34% Spend Less Time on Site).

وضعية غير واضحة المعالم اتجاه خصوصية المستخدمين:

لم يعد الأمر سرا، فيس بوك تتربح باستغلال بيانات مستخدميها الشخصية، ولتتربح أكثر ما عليها سوى أن تكثف من عمليات جمع واستغلال هذه البيانات، قد لا يبدو الأمر مُسببا لأية مشاكل للمستخدمين الحاليين، لكن هل سيبقى الوضع على حاله بعد أن تفتح الشبكة أبوابها لمن هم أدنى من 13 سنة (Facebook may tap consumers under 13, but is Facebook appropriate for children?).

محادثات ونقاشات ضعيفة المحتوى والجودة:

إن كنت تخاف على المنتديات والمدونات من أن يقتلها فيس بوك، فيمكن أن تنام (بعد قراءتك لهذا المقال مطمئن البال) فالبرغم من الكم الكبير للمحتوى المنشور على فيس بوك إلا أن ما ينشر عليها ضعيف من حيث الجودة، بل يمكن أحيانا وصفها بعديمة الفائدة. وفي بيئة مثل هذه، لا توجد سوى طريقة واحدة للفت الانتباه، وهو عن طريق المزايدات والاستعراض (النقطة التي ذكرناها سابقا).

لم تفكر فيس بوك من قبل في إيجاد حلول لهذه المشاكل، لكنه من المتوقع أن يتغير الوضع بعد دخولها إلى البورصة حيث أنها أصبحت الآن مجبرة على تقديم تبريرات وتقارير للمستثمرين الذين اشتروا أسهمها.

والآن، ما الذي يجب أن ننتظره من فيس بوك؟

بالرغم من أن كل النقاط آنفة الذكر ترسم مستقبلا سوداويا لفيس بوك، إلا أن الوضع ليس كارثيا بالدرجة التي يظهر عليها. يمكن القول بأن فيس بوك أصبح الآن خاضعة لنفس القواعد التي تخضع لها باقي الشركات (Has Facebook popped the bubble or just let off some steam?). لكن ما الذي يجب علينا أن ننتظره من فيس بوك خلال الأشهر القادمة؟

قيمة سوقية متوافقة مع الأرباح:

كما سبق وأن شرحناه، فإنه لا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد بأن قواعد اللعبة فيما يخص قيمة الشركات ستكون مختلفة في حالة فيس بوك عن ما سواها، وبناء على ذلك فإنه من المتوقع أن تواصل قيمة فيس بوك تراجعها إلى غاية أن تصل إلى قيمة تتناسب مع فوائدها (Here’s What The Smartest Investor I Know Thinks Will Happen To Facebook Stock).

مواهب يصعب توظيفها والحفاظ عليها:

إلى وقت قريب كانت فيس بوك أفضل وجهة للمطورين حتى مقارنة مع Google وApple، وذلك راجع إلى سببين، أولهما “المكانة الاجتماعية” التي يحظى بها موظفو فيس بوك، والثانية الاستفادة من الـ stock options. لكن الآن وبعد دخول فيس بوك إلى البورصة فإن أفضل المهندسين سيفكرون في إنشاء شركاتهم الخاصة أو الانضمام إلى مشاريع أخرى أكثر إثارة (Facebook Looks Weak To Rivals, And They Are Going In For The Kill).

مرونة أقل:

إلى غاية ماض قريب (أي قبل طرح أسهم الشبكة) كانت فيس بوك تتمتع بمرونة عالية خاصة لما يتعلق الأمر بإحداث تغييرات أو شراء شركات أخرى، لكن الآن وبعد أن أصبح جزء من الشركة (وبالتالي جزء من عملية اتخاذ القرار) بين أيدي المستثمرين، فإن هذا النوع من العمليات سيكون أصعب وسيفقد للشركة مرونتها.

التربح قبل كل شيء:

كما سبق ذكره، فإن هدف فيس بوك الأول سيصبح إرضاء المستثمرين والذي لا يهمهم سوى أمر واحد: التربح. فبالرغم مما قاله Mark Zuckerberg من قبل (“لا نهتم بالمدى القريب، بل نخطط للمدى البعيد”)، إلا أن التربح سيصبح الشغل الشاغل لكامل الشركة، وهو ما يمر بشكل طبيعي عبر “ابتزاز” المعلنين والمستخدمين العاديين على حد سواء، وذلك ليتمكنوا من التواصل مع مُعجَبي  صفحاتهم أو أصدقائهم، وهو ما تُطلق عليه فيس بوك “إيصال رسائلكم إلى شريحة أوسع”، إن لم تتوضح لديك الفكرة بعد، فيجب عليك أن تعلم بأن فيس بوك أصبحت وسيلة تواصل مدفوعة الأجر، ما عليك سوى أن تمد يدك إلى جيبك لتدفع ثمن تلك الاتصالات (تماما مثلما تدفع فاتورة هاتفك والذي هو أيضا وسيلة تواصل).

قياس العوائد على الاستثمار بشكل أدق:

موضوع قياس العوائد على الاستثمار ROI على الشبكات الاجتماعية موضوع شائك ومتشعب، لكن بما أنه التواصل على فيس بوك لم يعد مجانيا مثلما كان عليه الأمر من قبل (النقطة السابقة) فإنه أًصبح من الضروري تبرير الأموال التي تصرف فيه (تماما مثلما هو الحال مع باقي وسائل الإعلام). وعلى ضوء ذلك فإن قيام كبريات الشركات بشراء شركات أخرى متخصصة في قياس و إدارة الحملات الإعلانية على الشبكات الاجتماعية (شراء Oracle لكل من Vitrue  وCollective Intelect، شراء SalesForce لكل من  Radian6 وBuddy Media وشراء Adobe لشركة Efficient Frontier)، أصبح أوضح بشكل كبير.

ختاما، السؤال الذي يطرح نفسه، هل تعتبر فيس بوك منصة لا يمكن للمعلنين الاستغناء عنها؟ الجواب هو نعم (ما عدا للشركات التي توجه خدماتها لشركات أخرى B2B). فيس بوك هي المنصة الاجتماعية المرجعية، وعليه يجب الاهتمام بها بشكل كبير، على الأقل لفهم آليات عملها واكتساب الخبرة، لكن بالرغم من ذلك لا يجب انتظار نتائج مبهرة من وراء ذلك، بل يجب أيضا الاهتمام بباقي المنصات وذلك لتجنب الاعتماد بشكل كامل على منصة واحدة.

ترجمة -وبتصرف- للمقال:

Pourquoi l’action de Facebook plonge-t-elle ?

لصاحبه:

Frédéric Cavazza