[مقال] ويل للاتصالات.. من شر هو آت

نُشر يوم 7 أبريل 2011 بواسطة Yousef Hodaif


ويل للاتصالات.. من شر هو آت

من كان يتخيل أن تتلاشى أمم وإمبراطوريات سادت في عالم الاتصالات، وتكلفت عقوداً عدة، وخسائر فادحة، حتى تعود إلى ريادتها من جديد، فعملاق كبير مثل شركة (إي تي آند تي) كانت في يوم من الأيام إمبراطورية الهاتف الثابت في العالم، وبينما هي سكرى في قمة نشوتها، ظهرت تقنية اللاسلكي والهواتف المحمولة، فغفلت عنها أو أغفلت عنها، ولم تفق إلا بعد أن فاتها قطار التغيير وليأخذ زمام الريادة لاعبون جدد، فما كان منها إلا أن عملت عمليات ريجيم قاسية، واستحوذت على شركات محمول شابة، أعادت لها بعض هيبتها، وكان آخرها شركة تي موبايل، ويبقى السؤال: هل ستظطر شركاتنا الى خوض نفس التجربة المريرة، وتفهم وتعي و و و و، التغيرات المتسارعة في سوق الاتصالات، فمواقع الشبكات الاجتماعات اليوم لم تسقط شركات وحسب، بل أسقطت حكومات بأكملها.. ويبقى السؤال الآن: أيعيد تاريخ الاتصالات نفسه؟.

عندما تتصل بي مراراً وتكراراً ابنتي (لينا) من لعبتها المحمولة (إي تاتش) التي لم تصنع لتكون هاتفاً، وعندما تتحدث (نورة) مع ابنتها (أروى) عبر هاتفيهما المحمولين دون أن تتأثر بذلك فاتورة أي منهما من خلال برنامج فايبر مثلاً، أو من خلال العديد من شركات الهاتف عبر الإنترنت مثل فوناج أو سكايب، أو حتى أحياناً من خلال شركات تخول الاتصال المجاني بين عملائها لغرض الدعايات فقط، خاصة مع انتشار الهواتف الذكية مثل آي فون التفاحي، وجالاكسي ونكسس إس الآندرويداني؛ المليئة بالبرامج المجانية التي تخولك إجراء اتصالات مجانية بمجرد أن يكون هاتفك متصلاً بالإنترنت داخل شبكة المنزل اللاسلكية، فإن ذلك حتماً نذير شؤم على شركات الاتصالات لدينا.

كنت قد تقدمت بورقة عمل في مؤتمر داتاماتكس المصاحب لمعرض جايتكس 2006 في دبي، بعنوان (أثر الاتصال عبر الإنترنت على سوق الاتصالات) وذكرت أنه بالرغم من كون شركات الاتصال عبر الإنترنت تشكل تهديداً واضحاً لشركات الهاتف الثابت، إلا أن شركات الهاتف المحمول لن تكون بأحسن حال من أختها، إذ بدأت شركات جديدة في تقديم خدمات الاتصال عبر الإنترنت من خلال أجهزة الهاتف المحمول، وكنت قد طلبت من شركتي التي كنت أعمل بها إيفادي الى ذلك المؤتمر للحديث عنها، إلا أن مثل هذه الأخبار والمعلومات تقلق مسمع أي رئيس شركة اتصالات، ولذا جاء الرد بالرفض من باب لا تتفاءل علينا بالشر، فاستعنت بالله وتقدمت بإجازة وتذكرة من رصيدي، بعد أن استأذنت منهم في أن أمثل نفسي في ذلك المؤتمر، واليوم ونحن بعد خمس سنوات أصبحنا نعيش ذلك حقيقة، وهو أمر يهدد جميع شركات الاتصالات عامة، وأما الشركات التي تقبلت إرث البرق والبريد والهاتف برجالها وعتادها فهي ليست بأحسن حال من الشركات الشابة.

يجب أن تدرك الشركات التي لديها شبكة أرضية أن العميل إنما يجري معظم اتصالاته من هاتفه المحمول وهو في بيته أو مكتبه، ولذا فإن وضع جهاز في البيت أو المكتب، بحيث يتم تحويل مكالمات العميل التي يجريها في هاتفه المحمول لاسلكياً إلى الهاتف الأرضي في هذين الموقعين، يعتبر حلاً اقتصادياً للعميل من خلال توفير فاتورة مكالماته التي يجريها في هذين الموقعين وهي أيضاً وسيلة لإيقاف نزوح العملاء ليس الى مشغل آخر بل إلى فضاء الإنترنت بشركاته الجديدة.

إن هذه الخدمة التي تعرف بخدمة (فيمتو) نتمنى ألا يأتي شهر رمضان المبارك، إلا والحديث عبر (فيمتو) الاتصالات يجعل طعم اللقاء أروع مع مشروب (فيمتو). وحتى مع ذلك فما زلت أخاف منه هو أن الفيمتو الذي لا يشرب قد لا يؤتي أكله، ببساطة فهواتفنا المحمولة مليئة بالبرامج التي تتيح اتصالات مجانية.. ولكن ما العمل وحدسي يقول إن الهاتف المحمول سيلحق بأخيه الثابت؟

المشكلة أكبر، فالمسألة ليست في فقدان عوائد المكالمات الصوتية عبر الهاتف المحمول والتي لا تقل عن 75 % من شركات الاتصالات، بل قد يتعدى ذلك الى فقدان العوائد التي تأتي من تصفح الإنترنت عبر الهواتف المحمولة، وحتى هذه رغم قلتها إلا أنها لن تسلم أيضاً، فبالأمس القريب كنا على مائدة شعبية في القرية النجدية، في ليلة نجدية رقمية مرقوقية، تضم كبار التنفيذيين في جوجل وشركات للمحتوى والاتصالات، فالتفت أخونا في جوجل إلى صاحبنا في الاتصالات مبادراً ومستشفاً وقال: ما رأيكم في تقديم صفحة جوجل وبالمجان لعملائكم، فغمزت لصاحبي قبل أن يجيب وقلت: ولكن هل سيعطونكم من ملياراتهم التي تأتي من الدعايات مع كل ضغطة يفعلها عملاؤكم في الاتصالات؟ سؤال يجب أن نقف معه، فمواقع فيس بوك وجوجل ويوتيوب قائمة على الدعايات، فكل ضغطة يعملها سعودي تعود بالنفع لتلك الشركات ولا تأخذ منها شركات الاتصالات فلساً واحداً، بعدها انهمك صاحب جوجل بهاتفه المحمول ولعله كان يبحث عن تاريخ صاحبنا وهواياته وفيما كان يفكر لعله يتفهم نفسيتة لإقناعه بذلك لاحقاً، كيف لا وجوجل تحفظ كل كلمة كتبتها في البحث منذ أن أول يوم لك في جوجل.

بل وأبعد من ذلك، فلا تستبعد أن تأتي إحدى هذه المواقع الشهيرة وأدمنت عليها الناس وتقول: لن أسمح لأي متصفح يأتيني من شركتك يا –موبايلي- مثلاً، حتى آخذ نصيبي من فاتورتك، وإلا فإنني سأضطر لإيقاف موقعي عنك وأجعل عملاءك يتحولون عنك إلى زين أو الاتصالات، بحثاً عني، وما إشاعة أن جهاز آي فون الخامس ستأتي شريحته معه إلا دليل على سيطرة هؤلاء في المستقبل، وربما يأتي اليوم الذي يقرر فيه آي فون -حفظه الله- الشركة التي تتصل بها، ولذا فإنني أتوجه إلى كل من: سعود الدويش وخالد الكاف وسعد البراك، لأن يتحدوا ويقفوا صفاً واحداً أمام هذه التحديات القادمة من فيس بوك وتويتر و يوتيوب وغيرها، وأن يقلبوا الطاولة عليهم، فكما أن هذه المواقع تريد أن تتدخل في أموالكم، وتزاحمكم عليها، فتدخلوا في مصدر رزقها الأساسي وتحكموا فيها وفي مواردها في السعودية وبحماية هيئة الاتصالات، فهي مواقع قائمة على الدعايات أصلاً، فكل ريال يدخل عليهم بسبب ضغطة زر من السعودية، لكم فيه نصيب، كيف لا وهي حريصة على بلدنا، فقد أظهرت مؤخراً أن السعودية هي الأولى عالمياً من حيث عدد المشاهدات عبر الهاتف المحمول، نسبة إلى عددها، ولتكن كلمتكم كلمة رجل واحد في مطالباتكم بنسبة مما تدره عليهم الدعايات، إن كانت بسبب متصفح من داخل السعودية، تماماً كما حدث ويحدث في البلدان العربية التي انشغل حكامها بمزاحمة التجار في أموالهم، حتى أصبح التاجر يحكم وصار إليه الحكم، فضاعوا وأضاعوا، فهؤلاء قد انشغلوا بأموالكم فاحكموهم في بلادكم، واستثمروا فيهم أموالكم.

م . يوسف الحضيف